بسم الله الرحمن الرحيم
عبد العزيز: يا ياسر هات ثلاثين ريالاً.
ياسر: لماذا يا عبد العزيز؟
عبد العزيز: هل نسيت ما اتفقنا عليه أول أمس؟
ياسر: أوه؛ فعلاً نسيت؛ لقد أعطاني عادل ثلاثين؛ هاك ستين ريالاً.
عبد العزيز: بهذا يصير المبلغ مائة وخمسين ريالاً.
ياسر: من لم يدفع من الأصدقاء؟
عبد العزيز: ناصر وسعد وإبراهيم.
ياسر: فمتى تشتري الكرة والشباك والبخاخ؛ فلم يبق إلا يومان على رمضان.
عبد العزيز: إن شاء الله اليوم نشتري كل شيء.
ياسر: اليوم بعد العشاء نُركَّبُ اللمبات الكهربائية وننظف الملعب من الحجارة والزجاج.
عبد العزيز: لا تقلق يا ياسر؛ كل شيء سيكون جاهزًا قبل رمضان.
ياسر: لا بد أن نغلب فريق عادل؛ فلقد غلبونا العام الماضي مرات عديدة.
عبد العزيز: على فكرة؛ هم ليسوا أقوى وأحرف منا؛ ولكن اغتررنا بخالد واعتمدنا عليه، وهو مستواه عادي جدًا؛ بل أقل من العادي.
ياسر: لقد تدربت على تدريبات عجيبة سوف ينبهر كل اللاعبين بها، وساعتها سيكون ياسر هو البطل الحقيقي.
عبد العزيز: على رسلك يا ياسر فلا داعي للغرور ولكن سوف ترى يا عبد العزيز عندما تكون الكرة بين رجلي فلن أدعها حتى تكون في المرمى.
ياسر: يا عبد العزيز؛ هذا هو عماد آت من بعيد فحاول معه أن تقنعه ليشارك معنا.
عبد العزيز: عماد يبدو أنه عنده عقد نفسية، فلا يتجاوب معنا.
ياسر: العجيب أننا في سن المرح والنشاط، وهو لا أدري بأي شيء يفكر!
عماد: السلام عليكم ورحمة الله.
ياسر وعبد العزيز: وعليكم.
عماد: يا إخوان؛ ربنا – عز وجل – يقول: وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا.
ياسر وعبد العزيز: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
عماد: أظن أنكما مجتمعان للاستعداد لاستقبال شهر رمضان كما هي عادتكما.
ياسر: ماذا تقصد يا عماد؟!
عبد العزيز: نعم؛ ماذا تقصد يا عماد؟!
عماد: لا أقصد شيئًا غير أني مشفق عليكما.
ياسر بسخرية: لا داعي لهذه الشفقة ... وفِّرْها لنفسك.
عبد العزيز: مشفق علينا؟ من أي شيء يا عماد؟
عماد: لقد ضيعتم رمضان العام الماضي في اللهو واللعب والسهر طول الليل والنوم طول النهار؛ فأي صيام هذا يا ياسر؟!
ياسر بسخرية: يمكنك يا عماد أن تعظ المصلين في المسجد؛ فلسنا في حاجة إلى وعظك.
عماد: أتريد أن تتشاجر يا ياسر؟ ألم تدرس قول الشاعر في المدرسة عن شهر رمضان؟
ما إن تمرد عن نظامك معشر ** إلا وحق عليهم الخسرانُ
عبد العزيز: دعك يا عماد من ياسر ... ولكن ما يمنعك أن تشاركنا في لعبنا ومرحنا؟
عماد: يا عبد العزيز كيف نضيع أثمن وأغلى أوقات حياتنا في اللعب واللهو. شهر رمضان يا عبد العزيز شهر واحد في السنة، والعصاة يرجعون فيه إلى الله.
عبد العزيز: ولكن يا عماد نحن في بداية حياتنا، ولا حرج علينا في اللهو المباح.
عماد: تسمي هذا لهوًا مباحًا وأنتم تضيعون صيامكم ... كم تحفظ من المصحف يا عبد العزيز؟
سكت عبد العزيز ولم يرد.
عماد: اصدقني كم تحفظ؟ فلو عكفت طوال الشهر على القرآن حفظًا وتلاوة لكان فيه الخير العميم.
ياسر من بعيد: هيا يا عبد العزيز لقد تأخرنا عن شراء الكرة والشباك وباقي الأغراض.
عبد العزيز: عفوًا يا عماد! لنا لقاء آخر.
عماد: إن شاء الله، إن شاء الله.
ذهب عماد إلى الجد زكريا.
عماد: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجد: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أهلاً ومرحبًا.
عماد: كيف حال صحتك الآن؟ لعلك بخير.
الجد: نعم بخير والحمد لله، وأسأل الله سبحانه أن يبلغنا رمضان ويمن علينا بصيامه وقيامه، ويتقبله منا.
عماد: اللهم آمين.
الجد: اللهم آمين؛ ولكن أين ياسر وعبد العزيز؟
عماد: للأسف يا جدي لقد ذهبا. ثم سكت عماد قليلاً، فبادره الجد قائلاً: أين ذهبا يا بني؟ أين؟
عماد: ذهبا ليشتريا كرةً وشباكًا وبخاخًا ليجهزوا الملعب ويستعدوا للعب والسهر طوال شهر رمضان.
الجد: أعوذ بالله؛ الناس يستعدون لاستقبال شهر الخير والبركة بالطاعات، وهؤلاء الأولاد يستعدون للهو والباطل.
جاء عبد العزيز وياسر فقال ياسر لعبد العزيز:
- حذار أن يراك الجد زكريا؛ فلو رآك ورأى ما معك فلا يتركنا حتى يخرب علينا خطتنا.
عبد العزيز: ولو لم يرنا فسوف يعلم بما سنفعل.
ياسر: طبعًا؛ عماد سوف يقوم بالواجب ويخبره.
عبد العزيز: دعه يخبره فسوف أقنع جدي.
دخل عبد العزيز على جده وقال له:
السلام عليكم أيها الجد العزيز.
الجد: وعليكم السلام ورحمة الله ... أين كنت يا عبد العزيز؟ وأين الولد ياسر؟
ياسر: ها أنذا يا جدي ... السلام عليكم.
الجد: وعليكم السلام، أين كنتما يا أولاد؟
عبد العزيز: كنا نتجول ونروّح عن أنفسنا من عناء المذاكرة طوال اليوم.
الجد: حسنًا يا عبد العزيز إن كنت صادقًا.
عبد العزيز يتلعثم في الرد على جده وهو يقول:
- نعم نعم أنا صادق ... أنا صادق ... كنت أذاكر.
عماد: اصدق جدك يا عبد العزيز ... نعم كنت تذاكر في الصباح ... ولكن أين كنت الآن؟
عبد العزيز: بعد أن ذاكرنا ذهبنا لنشتري كرة لنلعب بها.
الجد: إيه؟ تلعبون في ليالي رمضان المباركة ... الناس يصلون وأنتم تلهون وتحرمون أنفسكم من الخير والأجر والثواب الكبير.
ياسر: لا يا جدي نحن نصلي مع الناس في المسجد فإذا انتهت الصلاة خرجنا ولعبنا.
الجد: تلعبون إلى متى؟ طبعًا تلعبون إلى وقت السحور، ثم تتسحرون وتصلون الفجر ثم تنامون ولا تستيقظون إلا قبيل المغرب بدقائق.
عماد: نعم يا جدي ... هذا ما يحدث بالضبط وتضيع عليهم صلاة الظهر والعصر.
الجد: يا أولاد، لا يكون استقبال شهر رمضان شهر المغفرة والرحمة والعتق من النيران بهذه الطريقة؛ فهذه طريقة المحرومين الخاسرين والعياذ بالله.
عماد: فكيف يا جدي إذن نستقبل هذا الشهر الطيب المبارك؟
الجد: ينبغي يا أولاد أن يفرح المسلم بقدوم هذا الشهر ويدعو الله أن يبلغه رمضان ويعينه على صيامه وقيامه ويدعو الله أيضًا أن يتقبله منه.
عماد: وكيف يفعل الواحد منا إذا كان على أمر فيه مخالفة لأمر الله؟
الجد: أولاً: يقلع عن هذه المخالفة، وثانيًا: يتوب إلى الله تعالى توبة صادقة، وثالثًا: العزيمة على ألا يعاود هذه المخالفة أو غيرها من المخالفات، ورابعًا: يسارع في عمل الخيرات، وخامسًا: يحاسب دائمًا نفسه ويلومها على التقصير.
عبد العزيز: يا جدي؛ نحن فتيان والإسلام لا يحرّم علينا اللهو المباح.
الجد: يا بني، رسول الله يقول: «كل شيء ليس من ذكر الله – عز وجل – فهو لغو ولهو أو سهو إلا أربع خصال: مشي الرجل بين الغرضين، وتأديبه فرسه، وملاعبته أهله، وتعلمُ السباحة».
هذا هو اللهو المباح بشرط ألا يقع الإنسان في محرم أو يترك فريضة.
عماد: بعض الناس إذا جاء رمضان تابوا وصلوا وصاموا وإذا انتهى رمضان عادوا لما كانوا عليه.
الجد: هؤلاء يا بني بئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان.
عماد: وبعض الناس أيضًا يجعلون رمضان شهر نوم وكسل وخمول وبطالة.
الجد: هؤلاء على خطر عظيم ... فقد انتصر المسلمون على الكافرين في غزوة بدر وكانوا في رمضان، وفتحوا مكة وجعلوها دار إسلام وكانوا أيضًا في رمضان؛ فرمضان شهر حافل بالمآثر والمفاخر؛ إنه شهر جهاد وعبادة ومجاهدة وليس شهر نوم وكسل وخمول وبطالة.
عماد: وماذا تقول يا جدي لهؤلاء الذين يضيعون أوقاتهم ولا يحسنوا استغلال هذا الشهر المبارك؟
الجد: أقول لهم: لابد من معرفة فضائل هذا الشهر؛ فهو شهر اختصه الله لفريضة الصيام، وأنزل فيه القرآن، وتفتح فيه الجنان، وتغلق فيه النيران، ويضاعف فيه الحسنات، ويتجاوز عن السيئات، وتصفد فيه الشياطين، وتغل مردة الجن، وفيه ليلة القدر هي خير من ألف شهر، ومن صام هذا الشهر وقامه إيمانًا واحتسابًا غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
عماد: حقًا يا جدي إنها فضائل عظيمة ينبغي أن يفكر فيها المسلم جيدًا ويحرص على ألا تضيع منه ويستغلها استغلالاً حسنًا.
الجد: يا بني! فالموفق من وفّقه الله وأعانه، والمحروم هو الذي يعلم هذا الخير ويحال بينه وبين العمل به.
عماد: لقد أحسنت أيها الجد المبارك على هذه التوجيهات، ونعتذر لك إن كنا سببنا لك حرجًا أو مشقة، وجزاك الله خيرًا.
الجد: بالعكس يا أولاد فأنتم جزاكم الله خيرًا أن أتحتم لي الفرصة أن أُذكر نفسي وأُذكركم بهذا الخير؛ ولكن لا بد لياسر وعبد العزيز أن يعداني على ترك اللهو والباطل والاستفادة من فضائل شهر رمضان.
ياسر وعبد العزيز: نعدك أيها الجد الطيب، وادع الله لنا أن يوفقنا ويلهمنا رشدنا؛ فالله الموفق.